الترجمة بين العقل البشري والذكاء الاصطناعي
تتمتع الترجمة بأهمية كبرى في حياة الإنسان باعتبارها أداة للتواصل والتفاهم وإنجاز الأعمال، فهي النافذة الرئيسية للاستفادة من خبرات الشعوب الأخرى، وقناة فعّالة لنقل المعارف والتجارب، والوسيلة الأمثل للتخاطب بين الثقافات والشعوب. وعلى الرغم من أن طبيعة الترجمة تقترن بضرورة تحري الدقة اللغوية والأمانة في ترجمة النصوص، ومراعاة الفروق الثقافية عند النقل بين اللغات، إلاّ أنها مثل غيرها من المجالات الأخرى قد تأثّرت بموجة التكنولوجيا الحديثة التي باتت تسبر أغوار اللغة في محاولة لنقلها وترجمتها باحترافية تقارن بالدقة البشرية. وبعد أن كانت ممارسة الترجمة حكراً على اللغويين وخبراء الترجمة الذين يُجيدون التحكّم بقوانينها وجوانبها سواء كان ذلك لفظاً أم كتابة، إلا أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي جعلتها اليوم في متناول الجميع، بل وربما أحياناً دون حسيب أو رقيب. وبات السؤال الأكثر تكراراً اليوم: هل ستحل أنظمة الذكاء الاصطناعي محل المترجم البشري؟
كيف ساعدت الترجمة الآلية الإنسان؟
ساهمت تقنيات الذكاء الاصطناعي المتخصّصة في الترجمة مثل “ترجمة جوجل” و”مايكروسوفت” و”أمازون” وغيرها في إدخال الكثير من التسهيلات في حياة الإنسان، لاسيما في عصر التحول الرقمي وقنوات التواصل الاجتماعي، وتطور المواقع الإلكترونية والتسوق الرقمي. فهي منصات سريعة وفورية وفي متناول الجميع، وتكاد تكون معدومة التكلفة، إلى جانب كونها وسيلة فعالة يمكن استخدامها بسهولة تامة أثناء السفر والتسوق وتصفح المواقع الإلكترونية. وعلى الرغم من أن هذه المنصات قد أثبتت كفاءة عالية في العديد من التخصّصات، إلا أن هنالك العديد من الأسباب التي تثبت عدم إمكانيتها أن تحل محل العنصر البشري.
لماذا لا يمكن للترجمة الآلية أن تحل محل الترجمة البشرية؟
وسط المخاوف البشرية من قدرة هذه التطبيقات والبرامج على التعامل مع النصوص والمستندات العامة، إلا أن هنالك العديد من الأسباب التي تبدد هذه المخاوف وذلك بسبب طبيعة عمل هذه التطبيقات التي جعلتها تصلح فقط لترجمة “المحتوى العام الذي يحتاجه السائحون أو متصفحات الإنترنت العامة” وذلك حسب تصريح توم دافنبورت، الأستاذ الأمريكي المتخصص في مجال الابتكار والمعرفة، في مقال له في مجلة فوربس. فعندما يتعلق الأمر بالترجمة الاحترافية، ومخرجات ترجمة مثالية، تكاد تتلاشى قدرة هذه الآلات الاصطناعية أمام قدرات العقل البشري الذي صمّمها. ومن التساؤلات والقضايا التي ناقشت عمل المترجمات الآلية ما يلي:
• الطبيعة الآلية لهذه الأدوات
• اعتمادها بشكل رئيسي على خوارزميات يتخللها الكثير من الفجوات اللغوية
• الآلة لا تفهم سياق النص على الإطلاق
• الآلة لا تراعي الفروقات الثقافية والمجتمعية
• الآلة غير قادرة على نقل المعايير والقيم الثقافية
• الآلة غير قادرة على مخاطبة عقول الجماهير المستهدفة عندما يكون النص ترويجياً
• هل تستطيع الآلة توصيف الحالات الإنسانية ونقل المشاعر؟
• هل تمتلك الآلة الشعور الكافي لنقل روح وجوهر النص؟
• هل تستطيع الآلة إيصال الرسالة الثقافية أو التوعوية لفيلم أو مسلسل ما؟
على الرغم من أن منصات الترجمة الآلية هذه قد ساهمت في تسهيل بعض من مهام حياتنا اليومية، وتمكنت من إنجاز بعض المهام الاعتيادية التي يقوم بها البشر، أو ربما حققت إنجازات متقدمة في بعض المجالات، إلا أنه لا يمكن تحييد الدور البشري في الترجمة والتوطين بأي شكل من الأشكال. فالإنسان هو المصدِّر الأساسي للغة.. وطالما أن العقل البشري هو من يحدد في النهاية إذا كانت المخرجات التي قدمتها الآلة صحيحة أم لا، فسوف تبقى قدرة هذه المنصات الإلكترونية حبيسة العقل البشري الذي قام بابتكارها.