الذكاء الاصطناعي واللغة العربية: الآفاق والتحديات
لا شك أن أدوات الذكاء الاصطناعي الجديدة شرعت منذ انطلاقتها في رسم ملامح القرن الواحد والعشرين، فهذه الأدوات التي يتم تطويرها وتحسينها باستمرار باتت جزءاً أساسياً من حياة الكثيرين من أفراد المجتمع ورواد الأعمال الذين يعتمدون عليها لإنجاز المهام.
على سبيل المثال، هل ترغب في تصميم عرض تقديمي؟ تتوفر العديد من أدوات الذكاء الاصطناعي التي طُوِرَت خصيصاً لمساعدتك في إنجاز هذه المهمة بدقة وكفاءة عالية.. أو تود الحصول على إجابة عن استفسار معين من دون أن تضيع في متاهة الروابط والمواقع الإلكترونية التي تقدمها لك محركات البحث؟ تقوم الكثير من أدوات الذكاء الاصطناعي بتزويدك بالإجابات المنشودة خلال ثوانٍ معدودة.
تشمل قائمة الخدمات التي تقدمها تطبيقات الذكاء الاصطناعي الترجمة، وكتابة المحتوى، وحل المعادلات الرياضية، وكتابة الرموز البرمجية، وغيرها الكثير. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل العديد من الانتقادات الموجهة إلى هذه الأدوات لأسباب مختلفة، أبرزها عدم قدرتها على فهم اللغة العربية واستيعاب طبيعتها المعقدة ومفرداتها الغنية. فهل هذا الادعاء مبني على دلائل واقعية؟ وإلى أي حد يمكن الاعتماد على أدوات الذكاء الاصطناعي التي تدعم اللغة العربية؟
إن أدوات الذكاء الاصطناعي هي في الواقع نماذج لغوية، يتم تلقينها بأحجام هائلة من البيانات بلغة معينة حتى تتمكن من فهم الأسئلة الموجهة إليها وتكون قادرة على توفير إجابات مناسبة ودقيقة، وهنا يكمن واحد من أبرز التحديات التي تواجه أدوات الذكاء الاصطناعي فيما يتعلق باللغة العربية؛ فلا يخفى على أحد أن الموارد المتوفرة باللغة العربية على شبكة الإنترنت محدودة بشكل واضح مقارنة بتلك المتوفرة بلغات أخرى، كالإنجليزية على سبيل المثال، مما يؤدي إلى إضعاف قدرة أدوات الذكاء الاصطناعي على فهم اللغة العربية وتعلم كلماتها وقواعدها بشكل وافٍ وسليم، حيث تعد القواعد النحوية والإملائية المركّبة في اللغة العربية صعبة الفهم على الكثير من أدوات الذكاء الاصطناعي المتاحة حالياً. وبالطبع يُشكّل تعدد اللهجات العربية المنطوقة تحدياً آخر، إذ أن الكثير من الأشخاص يستخدمون اللهجة المحلية لمدينتهم أو منطقتهم في بحثهم عن شيء ما على شبكة الإنترنت.. تخيّل إذاً كم البيانات التي تحتاجها أدوات الذكاء الاصطناعي حتى تستطيع فهم واستخدام العشرات من اللهجات المحلية، وتخيّل الحجم الضئيل من الموارد التي تستخدم هذه اللهجات على شبكة الإنترنت!
يواجه العديد من الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي واللغة العربية تحديات كثيرة فيما يتعلق بالتمويل وموارد البحث العلمي، مما يجعل إحراز تقدم ملحوظ في هذا المجال أمراً يتطلب وقتاً طويلاً، ولكن هذا لم يضعف عزيمة بعض الباحثين الذين يعملون على تطوير أدوات ذكاء اصطناعي تفهم اللغة العربية وتدرك لهجاتها، وعلى الرغم من أن معظم هذه المشاريع لا تزال في مراحلها الأولى، إلا أن بعضها أحرز تقدماً سريعاً، حاز بموجبه على العديد من جوائز البحث في مجال معالجة اللغات الطبيعية من شركة “جوجل”.
لقد ظهرت في السنوات الأخيرة بعض تطبيقات وبرامج الذكاء الاصطناعي التي صُمِّمَت خصيصاً للتدقيق الإملائي والنحوي، واكتسبت هذه الأدوات رواجاً ملحوظاً نظراً لدقتها وسرعتها في التدقيق اللغوي مثل منصة “لسان”، منصة للتدقيق اللغوي باللغة العربية تم إطلاقها من دبي. وتقوم بعض هذه التطبيقات بتدقيق أي نص مع تقديم شرح مبسط للأخطاء اللغوية أو الإملائية. كما توجد برامج أخرى تقدم خدمات الدردشة والتعليق الصوتي باستخدام الذكاء الاصطناعي، ويدعم بعضها اللغة العربية الفصحى، بينما يدعم بعضها الآخر عدداً من اللهجات العربية العامية.
لا يمكن إنكار الجهود الكبيرة التي تبذلها العديد من الجامعات العربية في تطوير الأبحاث الخاصة بأدوات الذكاء الاصطناعي التي تدعم اللغة العربية، كما لا يمكن التغاضي عن حقيقة أن تطوير أدوات قادرة على استيعاب اللغة العربية واستخدامها على نحو صحيح أمر يتطلب وقتاً طويلاً وجهوداً حثيثة. لذلك فإنه حتى هذه اللحظة، يبقى للعنصر البشري الدور الأساسي والأكبر في كتابة المحتوى والترجمة من اللغة العربية وإليها بدقة تراعي طبيعة النص وتلبي المتطلبات الثقافية.. لكننا حتى اليوم لا نعرف ما يحمله لنا المستقبل في هذا الخصوص.