دور استطلاعات الرأي في بناء و تصميم العلامة التجارية
تواجه الكثير من المبادرات التسويقية وحملات تصميم هوية الشركات وإطلاقها الفشل، ويطول هذا الفشل شركات كبيرة وصغيرة على حد سواء، ويعود هذا إلى عدم الاستثمار بشكل كافٍ في استطلاعات آراء المستهلكين، فالشركات لا تدرك أحياناً لماذا يشتري المستهلكون المنتج، وعادة لا يدرك المستهلكون أنفسهم لماذا وقع اختيارهم على هذا المنتج أو الخدمة. وتكشف أبحاث العلوم العصبية الدافع وراء قرارات المستهلكين، وتشكيل هوية العلامة التجارية في أذهانهم، لتفتح آفاقاً جديدة في قطاع البيع بالتجزئة.
وقد استخدمت جمعية الطب الإشعاعي في أمريكا الشمالية (RSNA) التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) لقياس ردود أفعال المستهلكين تجاه علامات تجارية مختلفة وتشكيل هوية العلامة التجارية، وكانت النتائج مثيرة للاهتمام، فقد أظهرت أن العلامات التجارية الواسعة الانتشار مسجلة في منطقة من الدماغ، وهذه المنطقة ترسل مشاعر إيجابية، بينما العلامات التجارية غير المعروفة ترسل انفعالات عاطفية سلبية، كما أن العلامات التجارية الأقل شهرة تتطلب نشاطاً دماغياً أكثر لتوليد استجابة، مقارنة بالعلامات التجارية المعروفة التي جرى قياسها.
لاحظ دوجلاس فان بريت، الكاتب المساهم في موقع Psychology Today، أن السبب وراء فشل بعض الشركات في ابتكار علامة تجارية ناجحة هو اعتقاد تلك الشركات أن قرارات المستهلك تقوم على القرارات المنطقية الواضحة، بدلاً من المحفزات الكامنة في اللاوعي.
وأجريت دراسات عديدة تهدف إلى اكتشاف السبب في أن اللاوعي يلعب مثل هذا الدور الكبير في درجة وعي جمهور المتسوقين في العلامة التجارية (Brand Recognition)، وقد قام الباحثان ميلاني ديمبسي وأندرو ميتشل بهذا من خلال ابتكار مجموعة من العلامات التجارية الزائفة، قبل عرض وابل من الصور والعبارات الإيجابية والسلبية، حسب العلامة التجارية، على المشاركين في الدراسة. وبعد ذلك تم سؤال المشاركين عن العلامات التجارية الزائفة، لم يتمكنوا من تذكر الصور أو العبارات ، في حين اتجهت أنظارهم إلى العلامات التجارية الشهيرة المرتبطة لديهم بالمشاعر الإيجابية ولم يتمكنوا من تحديد أسباب منطقية لذلك، الأمر الذي بات يُعرف الآن بـ “التفضيل دون معرفة السبب”. وبعد انتهاء التجربة، حاول الباحثان ديمبسي وميتشل عقلنة الاختيارات مع المشاركين، من خلال توضيح كيف أن العلامات التجارية المدرَكة لديهم في صورة سلبية هي في حقيقتها أفضل من نظيراتها المدرَكة في صورة إيجابية لأسباب منطقية قاموا بسردها. ومع ذلك، لم يُحدث هذا الإجراء فارقاً في أذهان المستهلكين، الذين أصروا على اختياراتهم للعلامات الإيجابية بصرف النظر عن رداءتها.
ويشير يورن أوسترات إلى أن الشيء الأساسي الذي يجب أن تركز العلامات التجارية على الوصول إليه، هو الذاكرة العرضية للمستهلكين، حيث ترتبط هذه الذاكرة بالذكريات العاطفية والحسية المقترنة بأماكن وأحداث وروائح من فترة الطفولة أو أغنية قديمة ذات دلالات حية وما إلى ذلك. ويجب أن تركز العلامات التجارية على العواطف بدلاً من الحقائق، والمشاعر – سواء الكامنة في الوعي أو اللاوعي – بدلاً من القرارات المنطقية.