لماذا كل هذا الصخب حول الميتافيرس..
كيف سيكون شكل الميديا في العوالم القادمة..
“ماثيو بول” الباحث الرأسمالي، الذي أثرت كتابته في “مارك زوكربيرغ” مؤسس فيسبوك، عرّف الميتافيرس بأنه “عالم إلكتروني ثلاثي الأبعاد، مثبت من حولنا ولا ينطفئ، يحوي شبكة من الأدوات والأجهزة والبنية التحتية التي تتيح للبشر الترفيه والعمل”. وهكذا بإمكانك أن تتخيل حجم هذا العالم اللامتناهي الذي تتسابق الشركات الآن على الاستثمار فيه، وشراء الأراضي والعقارات والشخصيات الرقمية منه بأرقام مهولة.
أنت الآن أمام عالم من المتغيرات الساحقة، تلك التي ستنقلك إلى ما وراء الخيال، ستلتقي صديقك من نيويورك، وأنت في الإمارات وتلعبون كرة السلة كما لو أنكما في فريق واحد، تشعرون بحركات الكرة وملمسها، وصوت ارتدادها، ويشعر كل منكما بحركات الآخر. أنتما الآن تعيشان سوياً كما في الواقع، لكن بنسخته المعززة.
لقد أوضح ماثيو بول” بأن الميتافيرس سيقدم عبر خصائصه الممتدة، الترفيه والعمل، وبذلك سنشهد انتقالاً كبيراً لسوق الأعمال بشتى قطاعاته إلي المنصات الافتراضية، ولربما سيتحول المتجر الإلكتروني بقالبه الحالي إلى متجر تقليدي بعد 10 سنوات من الآن، فهناك في عالم الميتافيرس ستتمكن من شراء أرضك الخاصة، التي ستبني عليها منزلك أو متجرك ببضع ثوان، وتعرض فيه جميع منتجاتك، سيزورك العملاء كما لو أنك تمارس عملك من أحد المراكز التجارية في وسط العاصمة، ستقيم الصفقات، وتحضر الحفلات، وتمارس هواياتك الاجتماعية وأنت ترتدي أجهزة كالنظارة ثلاثية الأبعاد، وأجهزة الاستشعار التي يجرى تطويرها حالياً باستثمارات تقدر بملايين الدولارات لجعل تجربة العيش في الميتافيرس أكثر واقعية.
ما حجم الاستثمارات الحالية في الميتافيرس؟
على سبيل المثال أعلنت شركة “ريبابليك ريلم” في نيويورك في 12 ديسمبر من عام 2021 عن انفاقها مبلغاً قياسياً قدره 4.3 ملايين دولار لشراء أرض عبر “ذي ساندبوكس”، وهي منصة تتيح دخول عالم افتراضي يمكن للمشاركين فيه الدردشة واللعب وحتى المشاركة في الحفلات الموسيقية. وأقام المغني الكندي “جستن بيبر” حفلاً غنائياً صاخباً بواسطة الآفاتار الخاص به في عالم الميتافيرس حضره آلاف المتابعين، واشتروا التذاكر من الأكشاك الافتراضية بالعملات الإلكترونية.
ولقد ابتكرت العملات الرقمية مثل “البيتكوين” و”الأيثريوم” لتكون عملة البشر في العوالم الافتراضية القادمة، فقبل 10 سنوات لم يكن الواقع مماثلاً لما نحن عليه اليوم فحتماً بعد 10 سنوات من الآن سيكون الواقع مغايراً لما نعيشه الآن.
ولكن ما الذي لم تبتكره التكنولوجيا بعد؟
في عالم اعتاد على تخطى الحدود الجغرافية باستخدام تطبيقات المحادثة المرئية، والتجول في شوارع لندن من العاصمة التونسية طرابلس عبر أفلام الفيديو ثلاثية الأبعاد، ومشاهدة الإصدارات السينمائية التي تجسد إبهار الخيال العلمي، لن يكون غريباً أن تتمكن من العيش بشخصية كرتونية مثلاً في دولة افتراضية تمتلك فيها أرضاً ومنزلاً، وتحرص على سقاية نباتاتك الافتراضية بشكل يومي حتى لا تذبل مع أشعة الشمس الرقمية.
والسؤال اليوم، كيف سيتغير شكل الإعلام في العالم الجديد؟
إن مستقبل الإعلام والميديا الرقمية مرتبط بشكل أساسي بوسائل التواصل، ومكان البث، وتمركز الجمهور المستهدف، وكمثلما انتقل الإعلام إلى فضاء الإنترنت وتطوراته المتسارعة، واستُحدثت استراتيجيات إعلامية جديدة لتواكب ثورة العصر التقنية، ستنتقل وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي إلى الميتافيرس، وستتطور خصائصها، لربما ستتجه الحكومات لمخاطبة شعبها عبر مكبرات صوت ستبنيها في بيوتنا بثوانٍ، أو بإيقاف العالم لدقائق حتى يستمع لهم كما لو أنها إحدى ألعاب الفيديو التفاعلية.
سيتجه المعلنون للّوحات الرقمية المعلّقة في الشوارع الافتراضية، أو لربما سيبتكر أولئك طرقاً جديدة للإعلان كمثل أن يحولوا دون دخولك إلى منزلك الرقمي المستأجر قبل مشاهدة إعلانهم، فهو بالنهاية افتراضي، لست أنت المتحكم الوحيد.
وليس هذا ضرباً من الخيال، فقد قدم رجل الأعمال الشهير إيلون ماسك محاضرة في عالم “ديسنترلاند” الافتراضي التي حضرها خمسة آلاف شخص، وكانت عيونهم موجهة على لوحة إعلانات ضخمة في المبنى المقابل للمركز الذي ألقى فيه إيلون ماسك المحاضرة، إذ كان أول ما رأوه بعد نهاية المحاضرة هو إعلان تفاعلي يمكن للجميع التفاعل معه والضغط عليه.
فيما تتنافس الشركات لبناء عالم الميتافيرس الخاص بها فإنها في ذات الوقت تبتكر أجهزة للتفاعل معه، تماماً كما تفعل فيسبوك حالياً، مما سيتيح لهذه الشركات جمع معلومات تفصيلية أكبر عن المستخدمين واهتماماتهم وسلوكياتهم في العالم الافتراضي، وبالتالي إعلانات موجهة باستهدافٍ أكثر دقة، وحملات يمكن قياس أدائها بشكل تفصيلي!
ماذا عن الخصوصية؟
لا تزال صورتها ضبابية بالنسبة للميتافيرس، ففي عالمنا الحالي الذي يشتكي أهله من انعدام الخصوصية مع منصات رقمية تكاد لا تكون متطورة مقارنة بالميتافيرس، ستكون الخصوصية في العالم الافتراضي شبه مستحيلة، إذ سيتم تسجيل كل حركة للبشر عبر بيانات بيو مترية، بيانات مجانية متاحة للجميع تحوي جميع خصائصك الشخصية والسلوكية.
ولكن كيف ستكون شخصيات مذيعي الأخبار بعد 10 سنوات؟
ربما سنصل إلى يوم تجري فيها المنصات الإخبارية المقابلات مع آفاتارات افتراضية، أو يقدم آفاتار المذيع نشرة التاسعة صباحاً ويشرح فيها نجاحات البشر في العالم الافتراضي، أو ينقل مشاكلهم ومخاوفهم للعالم الأرضي الذي سيكون في وقتها “عالماً تقليدياً”.
وقد يتمكن صناع المحتوى أو “المؤثرين” كما يلقبهم الإعلام، من إنشاء جلساتهم بشكل مباشر بين الملايين من متابعيهم، وإيصال إعلاناتهم بطرق أكثر تأثيراً، لك أن تتخيل أن يجلس مؤثر في موقع “يوتيوب” مثلاً مع 3 ملايين شخص من متابعيه في مكان واحد! أي أرض عادية تلك التي ستتسع لمثل هذا العدد في مكان واحد؟
الميتافيرس.. هل هو التطور القادم في تاريخ الحضارة الإنسانية؟
تقام الآن على مساحات واسعة داخل الميتافيرس مدن بأكملها، وأسواق تجارية تضم أرقى العلامات التجارية العالمية، وتتنافس البلدان لفتح سفاراتها، وتخصص دول ميزانيات ضخمة لتطوير عالمها الافتراضي الخاص مثل كوريا الجنوبية واليابان، إن الميتافيرس هو التطور المنطقي لجيل الهواتف الذكية والإنترنت، سيكثر فيه المعلنون وستبنى الأفكار الإبداعية، وسيتميز أصحاب الصلاحيات ممن يملكون أراضٍ أكثر.. أو ربما مدناً أكبر.