تتطور التكنولوجيا بهدف تسهيل حياة البشر، لكن ما زالت هناك العديد من المجالات المختلفة التي لم تهيمن عليها التكنولوجيا بشكل كامل، ومنها على سبيل المثال الترجمة واللغات؛ إذ أن الصياغات اللغوية المعقدة جعلت من المستحيل تطوير تكنولوجيا قادرة على تقديم تقنيات الترجمة الإلكترونية ذات الجودة العالية و التي قد تفوق مستوى الترجمة البشرية. وفي هذا الصدد، أشارت ناتالي كيلي، نائب رئيس شركة “سمارتلينج”، في مقالها على موقع “هافينغتون بوست” إلى عدد من الأسباب التي تحول دون بلوغ تكنولوجيا الترجمة أو ما يعرف بالترجمة الآلية إلى مستوى مرتفع من الجودة:
يضع المترجمون المحترفون الجودة قبل كل شيء، حتى لو كان اهتمام العميل بها ضئيلاً، فاهتمام العملاء كثيراً ما ينصب على تسليم المادة المترجمة في الموعد المحدد، كما يتطلعون إلى تقليل التكلفة قدر الإمكان، بدلاً من التركيز على الجودة. ويعي المترجمون تماماً الخطر المحدق الذي تشكله تكنولوجيا الترجمة على وظائفهم، فهي عملية سريعة ومنخفضة التكلفة، وفي معظم الأحيان، لا تتطابق الأهداف الرئيسية للعميل مع أهداف المترجم.
كانت هذه الشركات في الماضي تميل إلى تجاهل احتياجات وآراء المترجمين، وهم الفئة الكبرى من مستهلكيها، وقد أدى هذا التجاهل من قِبل شركات تكنولوجيا الترجمة لاحتياجات وتطلعات المترجمين إلى انعزالها عن عملائها الأساسيين، مما جعل الكثير من المترجمين المحترفين يرتابون في برامج الترجمة الآلية. وهذا يرتبط بنقطة أخرى من النقاط التي ذكرتها كيلي، وهي انعزال المترجمين وعدم تقديمهم لآرائهم في تلك البرامج.
بالرغم من التطورات التكنولوجية الهائلة التي سادت في السنوات الأخيرة، لا تزال تكنولوجيا الترجمة إلى حد بعيد على حالها الذي كانت عليه قبل 15 عاماً، وأكثرُ ما يثير الإحباط هو اضطرار المترجمين إلى استخدام عدد من البرامج المبسطة لأداء وظائفهم عبر الإنترنت.
بالرغم من أن خدمة الترجمة من جوجل جعلت الترجمة أسهل من ذي قبل، إلا أنها دفعت المستهلكين للافتراض أن المترجمين المحترفين متوفرين بكثرة، وصعبت مهمة المترجمين الخبراء في إقناع الشركات بقيمة جهودهم.
لذلك لا نعتقد أن التقنيات الحديثة في الترجمة قد ارتقت لتستبدل الجهود البشرية فالترجمة قبل كل شيء هي فن نقل الفكرة من ثقافة إنسانية إلى أخرى خاصة في الترجمات الأدبية والتسويقية والإعلامية، وتتعدى كونها عملية مباشرة وبسيطة وتتطلب ثراء وعمقاً ثقافياً.